صدقة جاريةتفسير اية رقم ٥من سورة هود﴿أَلَاۤ إِنَّهُمۡ یَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِیَسۡتَخۡفُوا۟ مِنۡهُۚ أَلَا حِینَ یَسۡتَغۡشُونَ ثِیَابَهُمۡ یَعۡلَمُ مَا یُسِرُّونَ وَمَا یُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾ [هود ٥]

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا السَّمَاءَ بِفُرُوجِهِمْ، وَحَالَ وَقَّاعِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْج، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسِ قَرَأَ: “أَلا إِنِّهُمْ تَثْنوني(١) صُدُورهُم”، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، مَا تَثْنُونِي(٢) صُدُورَهُمْ؟ قَالَ: الرَّجُلُ كَانَ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ فَيَسْتَحْيِي -أَوْ: يَتَخَلَّى فَيَسْتَحْيِي فَنَزَلَتْ: “أَلا إِنِّهُمْ تَثْنوني(٣) صُدُورهُم”.وَفِي لَفْظٍ آخَرَ لَهُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا، فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ.ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: قَرَأَ(٤) ابْنُ عَبَّاسٍ “أَلا إِنِّهُمْ يَثْنوني صُدُورهُم لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتغْشُونَ ثِيَابَهُم”.قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ غَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يَسْتَغْشُونَ﴾ يُغَطُّونَ رُءُوسَهُمْ(٥) .وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: يَعْنِي بِهِ الشَّكَّ فِي اللَّهِ، وَعَمَلَ السَّيِّئَاتِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَغَيْرِهِمْ: أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ إِذَا قَالُوا شَيْئًا أَوْ عَمِلُوهُ، يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ بِذَلِكَ، فَأَعْلَمُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ(٦) حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ عِنْدَ مَنَامِهِمْ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ﴾(٧) مِنَ الْقَوْلِ: ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ أَيْ: يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ مِنَ النِّيَّاتِ وَالضَّمَائِرِ وَالسَّرَائِرِ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى فِي مُعَلَّقَتِهِ الْمَشْهُورَةِ:فَلا تَكْتُمُنَّ اللَّهَ مَا فِي نُفُوسِكُمْ … لِيُخْفَى، فَمَهْمَا يُكتم(٨) اللَّهُ يَعْلم …يُؤخَر فيوضَع فِي كِتَابٍ فَيُدخَر … لِيَوْمِ حِسَابٍ، أَوْ يُعَجل فَيُنْقمِ(٩)(١٠)فَقَدِ اعْتَرَفَ هَذَا الشَّاعِرُ الْجَاهِلِيُّ بِوُجُودِ الصَّانِعِ وَعِلْمِهِ بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَبِالْمَعَادِ وَبِالْجَزَاءِ، وَبِكِتَابَةِ الْأَعْمَالِ فِي الصُّحُفِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ.وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثَنَى(١١) صَدْرَهُ، وَغَطَّى رَأْسَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ.وَعَوْدُ الضَّمِيرِ(١٢) عَلَى اللَّهِ أُولَى؛ لِقَوْلِهِ: ﴿أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ .وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: “أَلا إِنِّهُمْ تَثْنوني(١٣) صُدُورُهُم”، بِرَفْعِ الصدور على الفاعلية، وهو قريب المعنى.

(١) في ت، أ: “تثنون”.
(٢) في ت، أ: “تثنون”.
(٣) في ت، أ: “يثنون”.
(٤) في ت: “قال”.
(٥) صحيح البخاري برقم (٤٦٨١ – ٤٦٨٣) .
(٦) في ت، أ: “أنه”.
(٧) في ت، أ: “يسرونه”.
(٨) في ت: “تكتم”.
(٩) في ت: “فينتقم”.
(١٠) البيت في تفسير الطبري (١٥/٢٣٣) .
(١١) في ت، أ: “ثنى عنه”.
(١٢) في ت، أ: “الضمير أولا”.
(١٣) في ت، أ: “يثنوني”.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

Tafsir Ibn Kathir – English [10. Yunus Verse: 1]

https://recitequran.com/tafsir/en.ibn-kathir/10:1

صدقة جارية
تفسير اية رقم ١٠٨_١٠٩
من سورة يونس
﴿قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَاۤءَكُمُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا یَهۡتَدِی لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا یَضِلُّ عَلَیۡهَاۖ وَمَاۤ أَنَا۠ عَلَیۡكُم بِوَكِیلࣲ (١٠٨) وَٱتَّبِعۡ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیۡكَ وَٱصۡبِرۡ حَتَّىٰ یَحۡكُمَ ٱللَّهُۚ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلۡحَـٰكِمِینَ (١٠٩)﴾ [يونس ١٠٨-١٠٩]

يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا لِرَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ أَنَّ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عند اللَّهُ هُوَ الْحَقُّ الذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَا شَكَّ، فَمَنِ اهْتَدَى بِهِ وَاتَّبَعَهُ فَإِنَّمَا يَعُودُ نَفْعُ ذَلِكَ الِاتِّبَاعِ عَلَى نَفْسِهِ، [وَمَنْ ضَلَّ عَنْهُ(١) فَإِنَّمَا يَرْجِعُ وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ(٢) ](٣)﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ أَيْ: وَمَا أَنَا مُوَكَّلٌ بِكُمْ حَتَّى تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ بِهِ، وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ، وَالْهِدَايَةُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ﴾ أَيْ: تَمَسَّكَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَأَوْحَاهُ(٤) وَاصْبِرْ عَلَى مُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَكَ مِنَ النَّاسِ، ﴿حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ﴾ أَيْ: يَفْتَحَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ أَيْ: خَيْرُ الْفَاتِحِينَ بِعَدْلِهِ(٥) وَحِكْمَتِهِ.

(١) في ت: “عن ذلك”.
(٢) في ت: “على نفسه”.
(٣) زيادة من ت، أ.
(٤) في ت، أ: “وأوحاه إليك”.
(٥) في ت، أ: “لعدله”.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

صدقة جاريةتفسير اية رقم ١٠٨_١٠٩من سورة يونس﴿قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَاۤءَكُمُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا یَهۡتَدِی لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا یَضِلُّ عَلَیۡهَاۖ وَمَاۤ أَنَا۠ عَلَیۡكُم بِوَكِیلࣲ (١٠٨) وَٱتَّبِعۡ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیۡكَ وَٱصۡبِرۡ حَتَّىٰ یَحۡكُمَ ٱللَّهُۚ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلۡحَـٰكِمِینَ (١٠٩)﴾ [يونس ١٠٨-١٠٩]

يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا لِرَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ أَنَّ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عند اللَّهُ هُوَ الْحَقُّ الذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَا شَكَّ، فَمَنِ اهْتَدَى بِهِ وَاتَّبَعَهُ فَإِنَّمَا يَعُودُ نَفْعُ ذَلِكَ الِاتِّبَاعِ عَلَى نَفْسِهِ، [وَمَنْ ضَلَّ عَنْهُ(١) فَإِنَّمَا يَرْجِعُ وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ(٢) ](٣)﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ أَيْ: وَمَا أَنَا مُوَكَّلٌ بِكُمْ حَتَّى تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ بِهِ، وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ، وَالْهِدَايَةُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ﴾ أَيْ: تَمَسَّكَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَأَوْحَاهُ(٤) وَاصْبِرْ عَلَى مُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَكَ مِنَ النَّاسِ، ﴿حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ﴾ أَيْ: يَفْتَحَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ أَيْ: خَيْرُ الْفَاتِحِينَ بِعَدْلِهِ(٥) وَحِكْمَتِهِ.

(١) في ت: “عن ذلك”.
(٢) في ت: “على نفسه”.
(٣) زيادة من ت، أ.
(٤) في ت، أ: “وأوحاه إليك”.
(٥) في ت، أ: “لعدله”.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

https://recitequran.com/tafsir/en.ibn-kathir/10:1

*هل تعلمون الأسماء الحقيقية لشخصيات ذكرها القرآن الكريم ولم يسمها؟

🍥(المرأتين) اللتين ضُرب بهما المثل في الكفر ، وبشرهما الله بالنار وهما امرأة سيدنا نوح، وتدعى “ واهلة ” ، وامرأة سيدنا لوط، وتدعى “ واعلة”.

🍥(ابن سيدنا نوح )الذي عصا والده ومات غرقاً في الطوفان ، كان يسمى “ *كنعان بن نوح

🍥اسم (زوجة فرعون) التي ضرب الله بها المثل في الإيمان، وهي السيدة “ آسيا بنت مزاحم

🍥أم سيدنا موسى التي أشار لها القرآن الكريم وتدعى السيدة “ يوحانذا

🍥أخت سيدنا موسى* التي ورد ذكرها أيضًا في القرآن الكريم فكانت تدعى “ كلثوم
.
🍥شخصية مؤمن آل فرعون ، التي جاءت في سورة القصص “وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين”، وهذا الرجل يدعى “ حذقيل”.

🍥المؤمن* الذي يسمى “ حبيب بن موسى النجار”، والذي جاء ذكره في سورة يس : “وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قومي اتبعوا المرسلين”.

🍥في سورة يوسف التي تروي قصته مع إخوته الأحد عشر ورحيله إلى مصر، ذكر أن هناك أخا وحيدا شقيقا له، وذلك الأخ يدعى “ بنيامين بن يعقوب

🍥وفي السورة نفسها جاء ذكر عزيز مصر وامرأته وكان عزيز مصر في ذلك الوقت يدعى “ بوتيفاد” ، أما امرأته التي راودت يوسف عن نفسه فكانت تسمى “ زليخة ”.

🍥وجاء في سورة الأنبياء ذكر ذا النون وهو المقصود به النبي “ يونس بن متى” الذي كان يسمى ذا النون ويونان .

🍥ومن الشخصيات التي ذكرها القرآن الكريم ولم يسمها لنا، اسم الذي استطاع أن يحضر عرش بلقيس ملكة سبأ في طرفة عين وهو “ آصف بن برخيا” أحد وزراء سيدنا سليمان .

🍥والرجل الذي جادل سيدنا إبراهيم* في ربه “ إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت، فقال الرجل أنا أحيي وأميت”، وهذا الرجل هو الملك “ نمرود بن كنعان” وكان ملكاً بالعراق وكانت مملكته تمتد إلى معظم أنحاء العالم ويضرب به المثل حتى الآن على الشخص الذي يتكبر ويكفر بنعمة الله وقدرته.

🍥الأعمى الذي جاء ذكره في سورة عبس* وهو “ عبدالله بن أم مكتوم ”، قال فيه الله تعالى : “عبس وتولّى، أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكى، أو يذكّر فتنفعه الذكرى”.

🍥والسيدة التي كانت تجادل رسول الله* وسمع الله حوارها مع النبي فنزلت فيها أول سورة المجادلة، وتدعى “ خولة بنت ثعلبة ”، كانت تشكو للنبي من زوجها .

🍥وهناك المرأة التي أشار إليها القرآن الكريم في سورة النحل بأنها “ امرأة قليلة العقل ” فهي السيدة “ ريطة بنت عمرو ”، وكانت تسكن مكة وتقوم بغزل الصوف طوال النهار ثم تنقض غزلها آخر النهار، قال فيها تعالى : “ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة”.

🍥امرأة* أبي لهب التي ذكرت في سورة “المسد” ووصفها بأنها حمالة الحطب فهذه المرأة تدعى “ أروى بنت حرب ” وهي أخت أبي سفيان .

🍥الشانئ* في سورة الكوثر التي نزلت إشارة إلى “ العاص بن وائل ” وهو الشخص الذي أطلق على النبي كلمة “أبتر” عندما مات ابنه “القاسم”.

🍥الشخص الذي لعنه الله ووصفه بغلظة القلب في سورة القلم ، فذلك الشخص يدعى “ الوليد بن المغيرة” الذي كفر بنعم الله، فقال فيه تعالى : ”أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين سنسمه على الخرطوم .

🍥في سورة الكهف، قال تعالى: “ ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ”، فالمقصود هنا
عيينه بن حصن الفزاري
و” الأقرع بن حابس ” وأصحابه من المؤلفة قلوبهم .

🍥أما في سورة التغابن، أشار الله تعالى إلى شخص يدعي “ عوف بن مالك الأشجعي ” وكان ذا مال وأهل وولد فكان إذ أراد الغزو بكوا إليه ووقفوا أمامه فقالوا “إلى من تدعنا”، فيرق قلبه ويقيم ولا يخرج إلى القتال، ونزلت فيه الآيات : “إنما أموالكم وأولادكم فتنة واللّه عنده أجر عظيم”.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه الطاهرين الطيبين .

صدقة جاريةتفسير اية رقم ٩٣من سورة يونس﴿وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ مُبَوَّأَ صِدۡقࣲ وَرَزَقۡنَـٰهُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُوا۟ حَتَّىٰ جَاۤءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ یَقۡضِی بَیۡنَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فِیمَا كَانُوا۟ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ﴾ [يونس ٩٣]

يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا أَنْعَمُ بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ النِّعَمِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ فَ ﴿مُبَوَّأَ صِدْقٍ﴾(١) قِيلَ: هُوَ بِلَادُ مِصْرَ وَالشَّامِ، مِمَّا يَلِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَنَوَاحِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَهْلَكَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ اسْتَقَرَّتْ يَدُ الدَّوْلَةِ الْمُوسَوِيَّةِ عَلَى بِلَادِ مِصْرَ بِكَمَالِهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٣٧] وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء: ٥٧-٥٩](٢) ولكن اسْتَمَرُّوا مَعَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، طَالِبِينَ إِلَى بِلَادِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ [وَهِيَ بِلَادُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَاسْتَمَرَّ مُوسَى بِمَنْ مَعَهُ طَالِبًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ](٣) وَكَانَ فِيهِ قَوْمٌ مِنَ الْعَمَالِقَةِ، [فَنَكَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَنْ قِتَالِ الْعَمَالِقَةِ](٤) فَشَرَّدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي التِّيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَمَاتَ فِيهِ(٥) هَارُونُ، ثُمَّ، مُوسَى، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَخَرَجُوا بَعْدَهُمَا مَعَ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَاسْتَقَرَّتْ أَيْدِيهِمْ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ أَخْذَهَا مِنْهُمْ بُخْتُنَصَّرُ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ، ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَخَذَهَا مُلُوكُ الْيُونَانِ، وَكَانَتْ تَحْتَ أَحْكَامِهِمْ(٦) مُدَّةً طَوِيلَةً، وَبَعَثَ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَاسْتَعَانَتِ الْيَهُودُ -قَبَّحَهُمُ(٧) اللَّهُ -عَلَى مُعَادَاةِ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِمُلُوكِ الْيُونَانِ، وَكَانَتْ تَحْتَ أَحْكَامِهِمْ، وَوَشَوْا عِنْدَهُمْ، وَأَوْحَوْا إِلَيْهِمْ أَنَّ هَذَا يُفْسِدُ عَلَيْكُمُ الرَّعَايَا فَبَعَثُوا(٨) مَنْ يَقْبِضُ عَلَيْهِ، فَرَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وشُبّه لَهُمْ بَعْضُ الْحَوَارِيِّينَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ(٩) فَأَخَذُوهُ فَصَلَبُوهُ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ هُوَ، ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النِّسَاءِ: ١٥٧، ١٥٨] ثُمَّ بَعْدَ المسيح، عليه السلام بنحو [من](١٠) ثلثمائة سَنَةٍ، دَخَلَ قُسْطَنْطِينُ أَحَدُ مُلُوكِ الْيُونَانِ -فِي دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَكَانَ فَيْلَسُوفًا قَبْلَ ذَلِكَ. فَدَخَلَ فِي دِينِ النَّصَارَى قِيلَ: تَقِيَّةً، وَقِيلَ: حِيلَةً لِيُفْسِدَهُ، فَوَضَعَتْ لَهُ الْأَسَاقِفَةُ مِنْهُمْ قَوَانِينَ وَشَرِيعَةً وَبِدَعًا أَحْدَثُوهَا، فَبَنَى لَهُمُ الْكَنَائِسَ والبيَع الْكِبَارَ وَالصِّغَارَ، وَالصَّوَامِعَ وَالْهَيَاكِلَ، وَالْمَعَابِدَ، وَالْقَلَايَاتِ. وَانْتَشَرَ دِينُ النَّصْرَانِيَّةِ(١١) فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَاشْتَهَرَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَبْدِيلٍ وَتَغْيِيرٍ وَتَحْرِيفٍ، وَوَضْعٍ وَكَذِبٍ، وَمُخَالَفَةٍ لِدِينِ الْمَسِيحِ. وَلَمْ يَبْقَ عَلَى دِينِ الْمَسِيحِ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ مِنَ الرُّهْبَانِ، فَاتَّخَذُوا لَهُمُ الصَّوَامِعَ فِي الْبَرَارِي وَالْمَهَامَّةَ وَالْقِفَارِ، وَاسْتَحْوَذَتْ يدُ النَّصَارَى عَلَى مَمْلَكَةِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ وَبِلَادِ الرُّومِ، وَبَنَى هَذَا الْمَلِكُ الْمَذْكُورُ مَدِينَةَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، والقُمَامة، وَبَيْتَ لَحْمٍ، وَكَنَائِسَ [بِلَادِ](١٢) بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَمُدُنَ حَوْران كبُصرى وَغَيْرِهَا مِنَ الْبُلْدَانِ بِنَاءَاتٍ هَائِلَةً مَحْكَمَةً، وَعَبَدُوا الصَّلِيبَ مِنْ حِينَئِذٍ، وَصَلَّوْا إِلَى الشَّرْقِ، وَصَوَّرُوا الْكَنَائِسَ، وَأَحَلُّوا لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَحْدَثُوهُ مِنَ(١٣) الْفُرُوعِ فِي دِينِهِمْ وَالْأُصُولِ، وَوَضَعُوا لَهُ الْأَمَانَةَ الْحَقِيرَةَ، الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْكَبِيرَةَ، وَصَنَّفُوا لَهُ الْقَوَانِينَ،وَبَسْطُ هَذَا يَطُولُ.وَالْغَرَضُ أَنَّ يَدَهُمْ لَمْ تَزَلْ عَلَى هَذِهِ الْبِلَادِ إِلَى أَنِ انْتَزَعَهَا(١٤) مِنْهُمُ الصَّحَابَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَكَانَ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ أَيْ: الْحَلَالِ، مِنَ الرِّزْقِ الطَّيِّبِ النَّافِعِ الْمُسْتَطَابِ طَبْعًا وَشَرْعًا.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ أَيْ: مَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَسَائِلِ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ، أَيْ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَخْتَلِفُوا، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُمْ وَأَزَالَ عَنْهُمُ اللَّبْسَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ الْيَهُودَ اخْتَلَفُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَأَنَّ النَّصَارَى اخْتَلَفُوا عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، مِنْهَا وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ. قِيلَ: مَنْ هُمْ(١٥) يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: “مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي”.رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ فِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ(١٦) وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ﴾ أَيْ: يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾

(١) في ت: “فالمبوأ”.
(٢) في ت، أ: “كم تركوا من جنات وعيون وزروع”.
(٣) زيادة من ت، أ.
(٤) زيادة من ت، أ.
(٥) في ت، أ: “في أثنائها”.
(٦) في أ: “حكامهم”.
(٧) في أ: “لعنهم”.
(٨) في ت: “فعثوا”.
(٩) في أ: “وقدرته”.
(١٠) زيادة من ت، أ.
(١١) في أ: “النصارى”.
(١٢) زيادة من ت، أ.
(١٣) في أ: “في”.
(١٤) في ت: “انتزعتها”.
(١٥) في ت: “من هو”.
(١٦) المستدرك (١/١٢٩) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاص، وجاء من حديث معاوية وأنس وعوف بن مالك قال العراقي: “أسانيدها جياد”.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

صدقة جاريةتفسير اية رقم ٩٣من سورة يونس﴿وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ مُبَوَّأَ صِدۡقࣲ وَرَزَقۡنَـٰهُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُوا۟ حَتَّىٰ جَاۤءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ یَقۡضِی بَیۡنَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فِیمَا كَانُوا۟ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ﴾ [يونس ٩٣]

يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا أَنْعَمُ بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ النِّعَمِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ فَ ﴿مُبَوَّأَ صِدْقٍ﴾(١) قِيلَ: هُوَ بِلَادُ مِصْرَ وَالشَّامِ، مِمَّا يَلِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَنَوَاحِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَهْلَكَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ اسْتَقَرَّتْ يَدُ الدَّوْلَةِ الْمُوسَوِيَّةِ عَلَى بِلَادِ مِصْرَ بِكَمَالِهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٣٧] وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء: ٥٧-٥٩](٢) ولكن اسْتَمَرُّوا مَعَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، طَالِبِينَ إِلَى بِلَادِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ [وَهِيَ بِلَادُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَاسْتَمَرَّ مُوسَى بِمَنْ مَعَهُ طَالِبًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ](٣) وَكَانَ فِيهِ قَوْمٌ مِنَ الْعَمَالِقَةِ، [فَنَكَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَنْ قِتَالِ الْعَمَالِقَةِ](٤) فَشَرَّدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي التِّيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَمَاتَ فِيهِ(٥) هَارُونُ، ثُمَّ، مُوسَى، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَخَرَجُوا بَعْدَهُمَا مَعَ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَاسْتَقَرَّتْ أَيْدِيهِمْ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ أَخْذَهَا مِنْهُمْ بُخْتُنَصَّرُ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ، ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَخَذَهَا مُلُوكُ الْيُونَانِ، وَكَانَتْ تَحْتَ أَحْكَامِهِمْ(٦) مُدَّةً طَوِيلَةً، وَبَعَثَ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَاسْتَعَانَتِ الْيَهُودُ -قَبَّحَهُمُ(٧) اللَّهُ -عَلَى مُعَادَاةِ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِمُلُوكِ الْيُونَانِ، وَكَانَتْ تَحْتَ أَحْكَامِهِمْ، وَوَشَوْا عِنْدَهُمْ، وَأَوْحَوْا إِلَيْهِمْ أَنَّ هَذَا يُفْسِدُ عَلَيْكُمُ الرَّعَايَا فَبَعَثُوا(٨) مَنْ يَقْبِضُ عَلَيْهِ، فَرَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وشُبّه لَهُمْ بَعْضُ الْحَوَارِيِّينَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ(٩) فَأَخَذُوهُ فَصَلَبُوهُ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ هُوَ، ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النِّسَاءِ: ١٥٧، ١٥٨] ثُمَّ بَعْدَ المسيح، عليه السلام بنحو [من](١٠) ثلثمائة سَنَةٍ، دَخَلَ قُسْطَنْطِينُ أَحَدُ مُلُوكِ الْيُونَانِ -فِي دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَكَانَ فَيْلَسُوفًا قَبْلَ ذَلِكَ. فَدَخَلَ فِي دِينِ النَّصَارَى قِيلَ: تَقِيَّةً، وَقِيلَ: حِيلَةً لِيُفْسِدَهُ، فَوَضَعَتْ لَهُ الْأَسَاقِفَةُ مِنْهُمْ قَوَانِينَ وَشَرِيعَةً وَبِدَعًا أَحْدَثُوهَا، فَبَنَى لَهُمُ الْكَنَائِسَ والبيَع الْكِبَارَ وَالصِّغَارَ، وَالصَّوَامِعَ وَالْهَيَاكِلَ، وَالْمَعَابِدَ، وَالْقَلَايَاتِ. وَانْتَشَرَ دِينُ النَّصْرَانِيَّةِ(١١) فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَاشْتَهَرَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَبْدِيلٍ وَتَغْيِيرٍ وَتَحْرِيفٍ، وَوَضْعٍ وَكَذِبٍ، وَمُخَالَفَةٍ لِدِينِ الْمَسِيحِ. وَلَمْ يَبْقَ عَلَى دِينِ الْمَسِيحِ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ مِنَ الرُّهْبَانِ، فَاتَّخَذُوا لَهُمُ الصَّوَامِعَ فِي الْبَرَارِي وَالْمَهَامَّةَ وَالْقِفَارِ، وَاسْتَحْوَذَتْ يدُ النَّصَارَى عَلَى مَمْلَكَةِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ وَبِلَادِ الرُّومِ، وَبَنَى هَذَا الْمَلِكُ الْمَذْكُورُ مَدِينَةَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، والقُمَامة، وَبَيْتَ لَحْمٍ، وَكَنَائِسَ [بِلَادِ](١٢) بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَمُدُنَ حَوْران كبُصرى وَغَيْرِهَا مِنَ الْبُلْدَانِ بِنَاءَاتٍ هَائِلَةً مَحْكَمَةً، وَعَبَدُوا الصَّلِيبَ مِنْ حِينَئِذٍ، وَصَلَّوْا إِلَى الشَّرْقِ، وَصَوَّرُوا الْكَنَائِسَ، وَأَحَلُّوا لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَحْدَثُوهُ مِنَ(١٣) الْفُرُوعِ فِي دِينِهِمْ وَالْأُصُولِ، وَوَضَعُوا لَهُ الْأَمَانَةَ الْحَقِيرَةَ، الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْكَبِيرَةَ، وَصَنَّفُوا لَهُ الْقَوَانِينَ،وَبَسْطُ هَذَا يَطُولُ.وَالْغَرَضُ أَنَّ يَدَهُمْ لَمْ تَزَلْ عَلَى هَذِهِ الْبِلَادِ إِلَى أَنِ انْتَزَعَهَا(١٤) مِنْهُمُ الصَّحَابَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَكَانَ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ أَيْ: الْحَلَالِ، مِنَ الرِّزْقِ الطَّيِّبِ النَّافِعِ الْمُسْتَطَابِ طَبْعًا وَشَرْعًا.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ أَيْ: مَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَسَائِلِ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ، أَيْ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَخْتَلِفُوا، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُمْ وَأَزَالَ عَنْهُمُ اللَّبْسَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ الْيَهُودَ اخْتَلَفُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَأَنَّ النَّصَارَى اخْتَلَفُوا عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، مِنْهَا وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ. قِيلَ: مَنْ هُمْ(١٥) يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: “مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي”.رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ فِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ(١٦) وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ﴾ أَيْ: يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾

(١) في ت: “فالمبوأ”.
(٢) في ت، أ: “كم تركوا من جنات وعيون وزروع”.
(٣) زيادة من ت، أ.
(٤) زيادة من ت، أ.
(٥) في ت، أ: “في أثنائها”.
(٦) في أ: “حكامهم”.
(٧) في أ: “لعنهم”.
(٨) في ت: “فعثوا”.
(٩) في أ: “وقدرته”.
(١٠) زيادة من ت، أ.
(١١) في أ: “النصارى”.
(١٢) زيادة من ت، أ.
(١٣) في أ: “في”.
(١٤) في ت: “انتزعتها”.
(١٥) في ت: “من هو”.
(١٦) المستدرك (١/١٢٩) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاص، وجاء من حديث معاوية وأنس وعوف بن مالك قال العراقي: “أسانيدها جياد”.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

صدقة جاريةتفسير اية رقم ٩٠_٩٢من سورة يونس﴿۞ وَجَـٰوَزۡنَا بِبَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ وَجُنُودُهُۥ بَغۡیࣰا وَعَدۡوًاۖ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَدۡرَكَهُ ٱلۡغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱلَّذِیۤ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوۤا۟ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ (٩٠) ءَاۤلۡـَٔـٰنَ وَقَدۡ عَصَیۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ (٩١) فَٱلۡیَوۡمَ نُنَجِّیكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَایَةࣰۚ وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنۡ ءَایَـٰتِنَا لَغَـٰفِلُونَ (٩٢)﴾ [يونس ٩٠-٩٢]

يَذْكُرُ تَعَالَى كَيْفِيَّةَ إِغْرَاقِهِ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ؛ فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ صُحْبَةَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُمْ -فِيمَا قِيلَ -سِتُّمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ سِوَى الذُّرِّيَّةِ، وَقَدْ كَانُوا اسْتَعَارُوا مِنَ الْقِبْطِ حُلِيّا كَثِيرًا، فَخَرَجُوا بِهِ مَعَهُمْ، فَاشْتَدَّ حَنَق فِرْعَوْنَ عَلَيْهِمْ، فَأَرْسَلَ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَجْمَعُونَ لَهُ جُنُودَهُ مِنْ أَقَالِيمِهِ، فَرَكَبَ وَرَاءَهُمْ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ، وَجُيُوشٍ هَائِلَةٍ لِمَا يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ لَهُ دَوْلَةٌ وَسُلْطَانٌ فِي سَائِرِ مَمْلَكَتِهِ، فَلَحِقُوهُمْ وَقْتَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ٦١] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا انْتَهَوْا إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، وَأَدْرَكَهُمْ فِرْعَوْنُ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَتَقَاتَلَ(١) الْجَمْعَانِ، وَأَلَحَّ أَصْحَابُ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَيْهِ فِي السُّؤَالِ كَيْفَ الْمَخْلَصُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَسْلُكَ هَاهُنَا، ﴿كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ٦٢] فَعِنْدَمَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ، فَضَرَبَهُ فَانْفَلَقَ الْبَحْرُ، ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [الشعراء: ٦٣] أي: كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ، وَصَارَ اثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقًا، لِكُلِّ سِبْطٍ وَاحِدٌ. وَأَمَرَ اللَّهُ الرِّيحَ فنَشَّفت أَرْضَهُ، ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧] وَتَخَرَّقَ الْمَاءُ بَيْنَ الطُّرُقِ كَهَيْئَةِ الشَّبَابِيكِ، لِيَرَى كُلُّ قَوْمِ الْآخَرِينَ لِئَلَّا يَظُنُّوا أَنَّهُمْ هَلَكُوا. وَجَازَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ، فَلَمَّا خَرَجَ آخِرُهُمْ مِنْهُ انْتَهَى فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ إِلَى حَافَّتِهِ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ فِي مِائَةِ أَلْفِ أَدْهَمَ سِوَى بَقِيَّةِ الْأَلْوَانِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ هَالَهُ وَأَحْجَمَ وَهَابَ وَهَمَّ بِالرُّجُوعِ، وَهَيْهَاتَ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ، نَفَذَ الْقَدَرُ، وَاسْتُجِيبَتِ الدَّعْوَةُ. وَجَاءَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى فَرَسٍ -وَدِيقٍ حَائِلٍ -فَمَرَّ إِلَى جَانِبِ حِصَانِ فِرْعَوْنَ فَحَمْحَمَ إِلَيْهَا وَتَقَدَّمَ جِبْرِيلُ فَاقْتَحَمَ الْبَحْرَ وَدَخَلَهُ، فاقْتحم الْحِصَانُ وَرَاءَهُ، وَلَمْ يَبْقَ فِرْعَوْنُ يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا، فَتَجَلَّدَ لِأُمَرَائِهِ، وَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِأَحَقَّ بِالْبَحْرِ مِنَّا، فَاقْتَحَمُوا كُلُّهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ وَمِيكَائِيلُ فِي سَاقَتِهِمْ، لَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ، إِلَّا أَلْحَقَهُ بِهِمْ. فَلَمَّا اسْتَوْسَقُوا فِيهِ وَتَكَامَلُوا، وَهَمَّ أَوَّلُهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، أَمَرَ اللهُ الْقَدِيرُ البحرَ أَنْ يَرْتَطِمَ عَلَيْهِمْ، فَارْتَطَمَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَجَعَلَتِ الْأَمْوَاجُ تَرْفَعُهُمْ وَتَخْفِضُهُمْ، وَتَرَاكَمَتِ الْأَمْوَاجُ فَوْقَ فِرْعَوْنَ، وَغَشِيَتْهُ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ فَآمَنَ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُ الْإِيمَانُ، ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ [غَافِرٍ: ٨٤، ٨٥] .وَهَكَذَا(٢) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَوَابِ فِرْعَوْنَ حِينَ قَالَ مَا قَالَ: ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾ أَيْ: أَهَذَا(٣) الْوَقْتُ تَقُولُ، وَقَدْ عَصَيْتَ اللَّهَ قَبْلَ هَذَا فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؟ ﴿وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ أَيْ: فِي الْأَرْضِ الَّذِينَ أَضَلُّوا النَّاسَ، ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [الْقَصَصِ: ٤١]وَهَذَا الَّذِي حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا فِي حَالِهِ(٤) ذَاكَ مِنْ أَسْرَارِ الْغَيْبِ الَّتِي(٥) أَعْلَمَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ:حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مهْران، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “لَمَّا قَالَ فِرْعَوْنُ: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾ قَالَ: قَالَ لِي جِبْرِيلُ: [يَا مُحَمَّدُ](٦) لَوْ رَأَيْتَنِي وَقَدْ أَخَذْتُ [حَالًا](٧) مِنْ حَالِ الْبَحْرِ، فَدَسَسْتُهُ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أن تناله الرحمة” وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفَاسِيرِهِمْ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ(٨) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “قَالَ لِي جِبْرِيلُ: لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا آخِذٌ مِنْ حَالِ الْبَحْرِ، فَأَدُسُّهُ فِي فَمِ فِرْعَوْنَ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ”. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا، مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ شُعْبَةَ، بِهِ(٩) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ غُنْدَر، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَطَاءٍ وعَدِيّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَفَعَهُ أَحَدُهُمَا -وَكَأَنَّ(١٠) الْآخَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ، فَاللَّهُ(١١) أَعْلَمُ.وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى الثَّقَفِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَغْرَقَ(١٢) اللَّهُ فِرْعَوْنَ، أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ وَرَفَعَ صَوْتَهُ: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾(١٣) قَالَ: فَخَافَ جِبْرِيلُ أَنْ تَسْبِقَ رَحْمَةُ اللَّهِ فِيهِ غَضَبَهُ، فَجَعَلَ يَأْخُذُ الْحَالَ بِجَنَاحَيْهِ فَيَضْرِبُ بِهِ وَجْهَهُ فَيَرْمُسُهُ.وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيع، عَنْ أَبِي خَالِدٍ، بِهِ مَوْقُوفًا(١٤)وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا، فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَكَّام، عَنْ عَنْبَسة -هُوَ ابْنُ(١٥) سَعِيدٍ -عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “قَالَ لِي جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَغُطُّهُ وَأَدُسُّ مِنَ الْحَالِ(١٦) فِي فِيهِ، مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ فَيَغْفِرَ لَهُ” يَعْنِي: فِرْعَوْنَ(١٧)كَثِيرُ بْنُ زَاذَانَ هَذَا قَالَ ابْنُ مَعِين: لَا أَعْرِفُهُ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَة وَأَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ، وَبَاقِي رِجَالِهِ ثِقَاتٌ.وَقَدْ أَرْسَلَ هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ: قَتَادَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْران. وَنُقِلَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ: أَنَّهُ خَطَبَ بِهَذَا لِلنَّاسِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ شكُّوا فِي مَوْتِ فِرْعَوْنَ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَحْرَ أَنْ يُلْقِيَهُ بِجَسَدِهِ(١٨) بِلَا رُوحٍ، وَعَلَيْهِ دِرْعُهُ الْمَعْرُوفَةُ [بِهِ](١٩) عَلَى نَجْوَةٍ(٢٠) مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ، لِيَتَحَقَّقُوا مَوْتَهُ وَهَلَاكَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ﴾ أَيْ: نَرْفَعُكَ عَلَى نَشز(٢١) مِنَ الْأَرْضِ، ﴿بِبَدَنِك﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: بِجَسَدِكَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: بِجِسْمٍ لَا رُوحَ فِيهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: سَوِيًّا صَحِيحًا، أَيْ: لَمْ يَتَمَزَّقْ لِيَتَحَقَّقُوهُ وَيَعْرِفُوهُ. وَقَالَ أَبُو صَخْرٍ: بِدِرْعِكَ(٢٢)وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا، كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ أَيْ: لِتَكُونَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ دَلِيلًا عَلَى مَوْتِكَ وَهَلَاكِكَ، وَأَنَّ اللَّهَ(٢٣) هُوَ الْقَادِرُ الَّذِي نَاصِيَةُ كُلِّ دَابَّةٍ بِيَدِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَقُومُ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ؛ وَلِهَذَا قَرَأَ بَعْضُ السَّلَفِ: ” لِتَكُونَ لِمَنْ خَلَقَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ”(٢٤) أَيْ: لَا يَتَّعِظُونَ(٢٥) بِهَا، وَلَا يَعْتَبِرُونَ. وَقَدْ كَانَ [إِهْلَاكُ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ](٢٦) يَوْمَ عَاشُورَاءَ، كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَر، حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ المدينَة، وَالْيَهُودُ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ ظَهَرَ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: “أَنْتُمْ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ، فَصُومُوهُ”(٢٧)

(١) في أ: “أن يتقابل”.
(٢) في ت: “ولهذا”.
(٣) في ت: “هذا”.
(٤) في ت: “حالة”.
(٥) في ت، أ: “الذي”.
(٦) زيادة من ت، أ، والمسند.
(٧) زيادة من ت، أ، والمسند.
(٨) المسند (١/٣٠٩) وسنن الترمذي برقم (٣١٠٧) .
(٩) سنن الترمذي برقم (٣١٠٨) وتفسير الطبري (١٥/١٩٠ – ١٩٢) ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٣٤٠) من طريق النضر بن شميل عن شعبة به، وقال الحاكم: “هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يخرجاه؛ لأن أكثر أصحاب شعبة أوقفوه على ابن عباس” ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (٩٣٩٢) فذكرت روايات الرفع والوقف.
(١٠) في ت، أ: “فكأن”.
(١١) في ت، أ: “والله”.
(١٢) في ت، أ: “لما غرق”.
(١٣) في ت: “أن لا إله”.
(١٤) تفسير الطبري (١٥/١٩٣) ورواه السرقسطي في غريب الحديث، كما في تخريج الكشاف (٢/١٣٨) عن موسى بن هارون، عن يحيى الحماني عن أبي خالد الأحمر به نحوه.
(١٥) في ت، أ: “أبو”.
(١٦) في ت: “الجبال”.
(١٧) تفسير الطبري (١٥/١٩١) ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (٩٣٩٠) من طريق حكام الرازي به.
(١٨) في ت، أ: “بجسده سويا”.
(١٩) زيادة من ت، أ.
(٢٠) في ت: “نحوه”.
(٢١) في ت: “يرفعك على بشر”.
(٢٢) في ت: “تذرعك”.
(٢٣) في ت: “وأنه تعالى”.
(٢٤) في ت: “الغافلون”.
(٢٥) في ت: “يتعضون”.
(٢٦) زيادة من ت، أ.
(٢٧) صحيح البخاري برقم (٤٦٨٠) .

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

_

صدقة جاريةتفسير اية رقم ٨٨_٨٩من سورة يونس﴿وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَاۤ إِنَّكَ ءَاتَیۡتَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَأَهُۥ زِینَةࣰ وَأَمۡوَ ٰ⁠لࣰا فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا رَبَّنَا لِیُضِلُّوا۟ عَن سَبِیلِكَۖ رَبَّنَا ٱطۡمِسۡ عَلَىٰۤ أَمۡوَ ٰ⁠لِهِمۡ وَٱشۡدُدۡ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَلَا یُؤۡمِنُوا۟ حَتَّىٰ یَرَوُا۟ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِیمَ (٨٨) قَالَ قَدۡ أُجِیبَت دَّعۡوَتُكُمَا فَٱسۡتَقِیمَا وَلَا تَتَّبِعَاۤنِّ سَبِیلَ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ (٨٩)﴾ [يونس ٨٨-٨٩]

هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَمَّا دَعَا بِهِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئه، لَمَّا أَبَوْا قَبُولَ الْحَقِّ وَاسْتَمَرُّوا عَلَى ضَلَالِهِمْ وَكُفْرِهِمْ مُعَانِدِينَ جَاحِدِينَ، ظُلْمًا وَعُلُوًّا وَتَكَبُّرًا وَعُتُوًّا، قَالَ: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً﴾ أَيْ: مِنْ أَثَاثِ الدُّنْيَا وَمَتَاعِهَا، ﴿وَأَمْوَالًا﴾ أَيْ: جَزِيلَةً كَثِيرَةً، ﴿فِي﴾ هَذِهِ ﴿الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيَضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ﴾ -بِفَتْحِ الْيَاءِ -أَيْ: أَعْطَيْتَهُمْ ذَلِكَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِمَا أَرْسَلْتَنِي بِهِ إِلَيْهِمُ اسْتِدْرَاجًا مِنْكَ لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾وَقَرَأَ آخَرُونَ: ﴿لِيُضِلُّوا﴾ بِضَمِّ الْيَاءِ، أَيْ: لِيَفْتَتِنَ بِمَا أَعْطَيْتَهُمْ مَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ، لِيَظُنَّ مَنْ أَغْوَيْتَهُ أَنَّكَ إِنَّمَا أَعْطَيْتَ هَؤُلَاءِ هَذَا لِحُبِّكَ إِيَّاهُمْ(١) وَاعْتِنَائِكَ بِهِمْ.﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ: أَيْ: أَهْلِكْهَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: جَعَلَهَا اللَّهُ حِجَارَةً مَنْقُوشَةً كَهَيْئَةِ مَا كَانَتْ.وَقَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ زُرُوعَهُمْ تَحَوَّلَتْ حِجَارَةً.وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظي: اجْعَلْ(٢) سُكَّرهم حِجَارَةً.وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْر، عَنْ أَبِي مَعْشَر، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ قَرَأَ سُورَةَ يُونُسَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ إِلَى آخِرِهَا [فَقَالَ لَهُ: عُمَرُ يَا أَبَا حَمْزَةَ(٣) أَيُّ شَيْءٍ الطَّمْسُ؟ قَالَ: عَادَتْ أَمْوَالُهُمْ كُلُّهَا حِجَارَةً](٤) فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِغُلَامٍ لَهُ: ائْتِنِي بِكِيسٍ. [فَجَاءَهُ بِكِيسٍ](٥) فَإِذَا فِيهِ حِمَّصٌ وَبَيْضٌ، قَدْ قُطِعَ حَوْلَ حِجَارَةٍ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيِ اطْبَعْ عَلَيْهَا، ﴿فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ﴾وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ كَانَتْ مِنْ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، غَضَبًا لِلَّهِ وَلِدِينِهِ عَلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، الَّذِينَ تبين له أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِمْ، وَلَا يَجِيءُ مِنْهُمْ شَيْءٌ كَمَا دَعَا نُوحٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نُوحٍ: ٢٦، ٢٧] ؛ وَلِهَذَا اسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِيهِمْ(٦) هَذِهِ الدَّعْوَةَ، الَّتِي أمَّنَ عَلَيْهَا أَخُوهُ هَارُونُ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: دَعَا مُوسَى وأمَّنَ هَارُونُ، أَيْ: قَدْ أَجَبْنَاكُمَا فِيمَا سَأَلْتُمَا مِنْ تَدْمِيرِ آلِ فِرْعَوْنَ.وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ يَقُولُ: “إِنَّ تَأْمِينَ الْمَأْمُومِ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ يُنزل مَنْزِلَةِ(٧) قِرَاءَتِهَا؛ لِأَنَّ مُوسَى دَعَا وَهَارُونَ أَمَّنَ”.وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا [وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ] ﴾(٨) أَيْ: كَمَا أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا عَلَى أَمْرِي.قَالَ ابْنُ جُرَيْج، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَاسْتَقِيمَا﴾ فَامْضِيَا لِأَمْرِي، وَهِيَ الِاسْتِقَامَةُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَقُولُونَ: إِنَّ فِرْعَوْنَ مَكَثَ بَعْدَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً.وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا.

(١) في ت، أ: “لهم”.
(٢) في ت: “جعل”.
(٣) في ت: “يا أبا جمرة”.
(٤) زيادة من ت، أ.
(٥) زيادة من ت، أ.
(٦) في ت: “فيما”.
(٧) في ت: “يتنزل منزلة”.
(٨) زيادة من أ، وفي هـ: “الآية”.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

صدقة جاريةتفسير اية رقم ٨٧من سورة يونس﴿وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِیهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُیُوتࣰا وَٱجۡعَلُوا۟ بُیُوتَكُمۡ قِبۡلَةࣰ وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ [يونس ٨٧]

يَذْكُرُ تَعَالَى سَبَبَ إِنْجَائِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَكَيْفِيَّةِ خَلَاصِهِمْ مِنْهُمْ(١) وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ﴿أَنْ تَبَوَّءَا﴾ أَيْ: يَتَّخِذَا لِقَوْمِهِمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا.وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾(٢) فَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ خُصَيْف، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ قَالَ: أمرُوا أَنْ يَتَّخِذُوهَا مَسَاجِدَ.وَقَالَ الثَّوْرِيُّ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ قَالَ: كَانُوا خَائِفِينَ، فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ.وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَأَبُوهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: وَكَأَنَّ هَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -لَمَّا اشْتَدَّ بِهِمُ الْبَلَاءُ مِنْ قبَل فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَضَيَّقُوا عَلَيْهِمْ، أُمِرُوا بِكَثْرَةِ الصَّلَاةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٥٦] . وَفِي الْحَدِيثِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.(٣) وَلِهَذَا(٤) قَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أَيْ: بِالثَّوَابِ وَالنَّصْرِ الْقَرِيبِ.وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُظْهِرَ صَلَاتَنَا مَعَ الْفَرَاعِنَةِ، فَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ، وَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا بُيُوتَهُمْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ قَالَ: لَمَّا خَافَ بَنُو إسرائيل من فِرْعَوْنَ أَنْ يُقْتَلُوا(٥) فِي الْكَنَائِسِ الْجَامِعَةِ، أُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا بُيُوتَهُمْ مَسَاجِدَ مُسْتَقْبِلَةً الْكَعْبَةَ، يُصَلُّونَ فِيهَا سِرًّا. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ.وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ أَيْ: يُقَابِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

(١) في أ: “منه”.
(٢) في ت: “وجعلوا”.
(٣) سنن أبي داود برقم (١٣١٩) من حديث حذيفة، رضي الله عنه.
(٤) في ت، أ: “وكذا”.
(٥) في ت: “أن يصلوا”.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

https://www.facebook.com/share/p/8rN4XxbV7E5SZXpK/?mibextid=xfxF2i

صدقة جاريةتفسير اية رقم ٨٧من سورة يونس﴿وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِیهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُیُوتࣰا وَٱجۡعَلُوا۟ بُیُوتَكُمۡ قِبۡلَةࣰ وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ [يونس ٨٧]

يَذْكُرُ تَعَالَى سَبَبَ إِنْجَائِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَكَيْفِيَّةِ خَلَاصِهِمْ مِنْهُمْ(١) وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ﴿أَنْ تَبَوَّءَا﴾ أَيْ: يَتَّخِذَا لِقَوْمِهِمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا.وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾(٢) فَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ خُصَيْف، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ قَالَ: أمرُوا أَنْ يَتَّخِذُوهَا مَسَاجِدَ.وَقَالَ الثَّوْرِيُّ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ قَالَ: كَانُوا خَائِفِينَ، فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ.وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَأَبُوهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: وَكَأَنَّ هَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -لَمَّا اشْتَدَّ بِهِمُ الْبَلَاءُ مِنْ قبَل فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَضَيَّقُوا عَلَيْهِمْ، أُمِرُوا بِكَثْرَةِ الصَّلَاةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٥٦] . وَفِي الْحَدِيثِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.(٣) وَلِهَذَا(٤) قَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أَيْ: بِالثَّوَابِ وَالنَّصْرِ الْقَرِيبِ.وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُظْهِرَ صَلَاتَنَا مَعَ الْفَرَاعِنَةِ، فَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ، وَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا بُيُوتَهُمْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ قَالَ: لَمَّا خَافَ بَنُو إسرائيل من فِرْعَوْنَ أَنْ يُقْتَلُوا(٥) فِي الْكَنَائِسِ الْجَامِعَةِ، أُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا بُيُوتَهُمْ مَسَاجِدَ مُسْتَقْبِلَةً الْكَعْبَةَ، يُصَلُّونَ فِيهَا سِرًّا. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ.وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ أَيْ: يُقَابِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

(١) في أ: “منه”.
(٢) في ت: “وجعلوا”.
(٣) سنن أبي داود برقم (١٣١٩) من حديث حذيفة، رضي الله عنه.
(٤) في ت، أ: “وكذا”.
(٥) في ت: “أن يصلوا”.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))